{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)}{قَالَ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} قدم الاستغفار على طلب الملك، لأن أمور الدين كانت عندهم أهم من الدنيا فقدّم الأولى والاهمّ، فإن قيل: لأي شيء قال لا ينبغي لأحد من بعدي، وظاهر هذا طلب الانفراد به حتى قال فيه الحجاج أنه كان حسوداً؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه إنما قال ذلك لئلا يجري عليه مثل ما جرى من أخذ الجني لملكه، فقصد أن لا يسلب ملكه عنه في حياته ويصير إلى غيره، والآخر أنه طلب ذلك ليكون معجزة، دلالة على نبوته {فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ} معنى رخاء لينة طيبة، وقيل: طائعة، له، وقد ذكرنا الجميع بين هذا وبين قوله: {عَاصِفَةً} في [الأنبياء: 81] وحيث أصاب: أي حيث قصد وأراد {والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} الشياطين معطوف على الريح، وكل بناء يدل على الشياطين أي سخرنا له الريح والشياطين من يبني منهم ومن يغوص في البحر {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} أي آخرين من الجنّ موثقون في القيود والأغلال {هذا عَطَآؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ} الإشارة إلى الملك الذي أعطاه الله له، والمعنى أن الله قال له: أعط من شئت وامنع من شئت، وقيل: المعنى أمنن على من شئت من الجنّ بالاطلاق من القيود، وأمسك من شئت منهم في القيود، والأوّل أحسن وهو قول ابن عباس {بِغَيْرِ حِسَابٍ} يحتمل ثلاثة معان: أحدها أنه لا يحاسب في الآخرة على ما فعل، والآخر بغير تضييق عليك في الملك، والثالث بغير حساب ولا عدد بل خارج عن الحصر {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ} قد ذكر في قصة داود.